خطبة الجمعة القادمة: محبة الله ورسوله ليست بالدعاوى وإنما بالبيِّنات، للشيخ عبد الناصر بليح
كتب: د. أحمد رمضان
خطبة الجمعة القادمة: ” محبة الله ورسوله ليست بالدعاوى وإنما بالبيِّنات” ، للشيخ عبد الناصر بليح.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له في سلطانه . قال في الحديث القدسي:” وعزتي وجلالي لو سلكو اليّ كل طريق واستفتحوا عليّ كل باب ما فتحت لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد”.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه قال وماينطق عن الهوي:”من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان”(أبو داود). اللهم صلاة وسلاماً عليك ياسيدي يارسول الله و على ألك وصحبك وسلم .
أمابعد:
فيا أحباب الله ورسوله .
يقول الله تعالي: ” قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ “(آل عمران/ 31). إن محبة العبد لربه ليست بالدعاوى وإنما بالبيِّنات؛ وقد جعل الله لها علاماتٍ تدل عليها، فهذه الآية تدل على أن علامة محبة العبد لله أن يكون متبعًا لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ بفعل أوامره واجتناب نواهيه واتباع سنته، أما من ادعى أنه يحب الله وهو مخالف لرسوله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يصدق في دعواه، قال بعض السلف: “ادّعى قوم محبة الله فأنزل الله آية المحبة: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي”.
أيها الأحباب :”إن محبة الله من أعظم مقامات العبادة عليها تدور رحى الطاعة والسير إلى الله، لأنها تسوق المؤمن إلى القرب وترغبه في الإقبال على الله، وتجشم المشقة والعناء في سبيل رضا الله والفوز بجنته. قال تعالى في وصف المؤمنين:”يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ”().
وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان من كان اللّه ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن أحب عبدا لا يحبه إلا للّه ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه اللّه كما يكره أن يلقى في النار” فمحبة الله يذوق بها العبد حلاوة الإيمان. ومحبة الله هي إيثار محبة الله على ما سواه بالتزام أمره واجتناب نهيه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في كل كبير وصغير وسلوك :” لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا “( الأحزاب/21).
العمل شرط المحبة لله ولرسوله :”
أحباب رسول الله :” وشرط المحبة لله الإحسان في العمل واتباع الشرع. فلا تصح المحبة ولا تقبل الدعوى من أحد إلا بما يوافقها من العمل الصحيح. فإن كان متبعاً للسنة كان صادقاً في دعواه وإن كان معرضا عن السنة كان كاذباً في دعواه.
تَعصي الإِلَهَ وَأَنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ **هَذا مَحالٌ في القِياسِ بَديعُ
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ **إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
في كُلِّ يَومٍ يَبتَديكَ بِنِعمَةٍ **مِنهُ وَأَنتَ لِشُكرِ ذاكَ مُضيعُ
أما دعوى المؤمن الصادقة لمحبة الله ورسوله تنفعه بإذن الله ولو قصر في العمل أو منعه عذر ولم يلحق بالمقربين .. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أين السائل عن قيام الساعة؟» فقال الرجل: أنا يا رسول الله قال: “ما أعددت لها؟” قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صوم إلا أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”المرء مع من أحب وأنت مع من أحببت” (الترمذي). فما رأيت فرح المسلمون بعد الإسلام فرحهم بهذا، وهذا محمول على صدقه وإخلاصه واحتسابه المحبة لله ورسوله، واجتماعه معهم في الجنة لا يلزم مشاركتهم في الدرجة والمنزلة.
والمحبون يمتحنون في أعمالهم وعبادتهم:
فتارك الصلاة يمتحن بفعل الصلاة وشارب الخمر يمتحن بترك الخمر والزاني يمتحن بتركه الزنا وآكل الربا يمتحن بتركه الربا والكذاب المفسد بين الناس يمتحن بتركه النميمة، والمرأة المتبرجة تمتحن بالحجاب، والفنان يمتحن بهجر الغناء وهكذا.
موانع المحبة لله ورسوله :”
أيها الأحباب :” وهناك عدة موانع تمنع المحبة وتضعفها:
- الرياء وإرادة الدنيا في عمل الآخرة. 2- هجر كلام الرحمن والجفاء منه. 3- إضاعة الفرائض والتهاون في فعلها. 4- الغفلة عن ذكر الله. 5- الشح بالمال ومنعه عن المحاويج والفقراء. 6- الاشتغال بالمعاصي والملاهي الموجبة لسخط الله. 7- مصاحبة أهل الغفلة والفساد. 8- حب النفس وترك النصح للخلق. 9- التسخط والتضجر من الرزايا والمصائب.
عباد الله :” واعلموا أن كل محبة تأسست على معصية الله ستنقلب عداوة يوم القيامة، قال تعالى:”الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ”(الزخرف/ 67)، وقال تعالى: “وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا”(الفرقان: 27 – 29). فاتقوا الله وانظروا من تحبون وتصاحبون؛ فإن المرء يكون مع من أحب يوم القيامة.
من هم أحباب الله ورسوله ؟
والله جل جلاله يحب من شاء من عباده ويحب من أقوالهم وصفاتهم الحسنة.
1 -الصابرون يحبهم الله _ قال تعالى: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”(أل عمران/146).
- المبتلون..أهل البلاء يحبهم الله:”إن عظم الجزاء مع عظم البلاء و إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا و من سخط فله السخط» (الترمذي).
- المحسنون يحبهم الله قال تعالى: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”)أل عمران/134).
- المحبون لله يحبهم الله “ أحباء الله لهم صفات أربع ذكرها الله تعالى في قوله:”َاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ”(المائدة: 54). في هذه الآية شهادة عظيمة من الله تعالى لهؤلاء الذين جمعوا هذه الصفات الأربع؛ شهادة بأن الله يحبهم وبأنهم يحبون الله.
- الموالون لأولياء الله يحبهم الله:”قال بعضهم:”بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه”. ومن علامة محبة العبد لله ولرسوله: أن يُحبَّ من يحبهم الله ورسولُه من الأشخاص؛ وأن يحبَّ كلَّ ما يحبُه الله ورسولُه من الأقوال والأفعال؛ حتى لو جرى منه تقصير في شيء منها، فالواجب علينا أن نحب الإحسان والمحسنين وإن كنا لسنا منهم؛ ونحب التقوى والمتقين؛ ونحب التوبة والتوابين، ونحب الطهارة والمتطهرين، ونحب المتمسكين بهدي القرآن والسنة.
- المتنفلون يحبهم الله :” ومن أعظم ما يحقق المحبة للمؤمن كثرة التقرب والتطوع بالصالحات عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال:”مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ”(البخاري).
- المحبون في الله يحبهم الله:” قال الله عز وجل:” وجبت محبتي للمتاحبين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في”(أحمد). وفي رواية «إن الله يقول يوم القيامة :”أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي” (مسلم).
- السائلون الله المحبة يحبهم الله:” سؤال محبة الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أتاني ربي عز وجل -يعني في المنام- فقال يا محمد قل اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك”(الترمذي ).
- المحبون في الله والمبغضون في الله يحبهم الله فمن علامات محبة العبد لله بغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأعمال والأقوال، ومن ذلك ما أخبر الله بقوله تعالى:” إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ”(لقمان: 18″. وقوله سبحانه ” وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”(آل عمران: 57) ، وقوله:”وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”(البقرة: 205). والمؤمن يبغض ما يبغضه الله ويبغض من يبغضه الله، مستجيبا لأمر الله. وقد جعل الله من المنن على عباده أن حببهم في الإيمان، وكرههم في العصيان ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [الحجرات: 7].
- قراء القرأن يحبهم الله :”قال ابن مسعود: “من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله” (رواه الطبراني) . والتعرف على صفات الله العلى وأسماؤه الحسنى ومحبتها توجب محبة الله ورضاه عن العبد لما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاًعلى سرية فكان يقرأ لأصحابه قي صلاتهم فيختم بـ”قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ”فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:”سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه، فقال:”لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله تعالى يحبه”(متفق عليه).
ثمرة المحبة ما هي ثمرة هذه المحبة الصادقة وما هي بركاتها؟
#مغفرة الذنوب :”والثمرة المرجوة من محبة الله مغفرة الذنوب :” يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ”(آل عمران: 31).
إنها محبة الله ومغفرته للعبد؛ ومن حضي بها فقد حاز الأمن والسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. وبها تنال حلاوة الإيمان، في (الصحيحين)، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النا”(متفق عليه).
#النجاة يوم القيامة، فعن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: “وما أعددت للساعة؟ قال: حب الله ورسوله، قال: “فإنك مع مَن أحببتَ”، قال أنس: فما فرِحنا بعد الإسلام فرحًا أشدَّ من قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “فإنك مع من أحببتَ”، قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لَم أعمل بأعمالهم. .
#استشعار حلاوة الإيمان: ففي الصحيحين عن أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ثلاث مَن كنَّ فيه، وجد منهنَّ طعم الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله – عز وجل – وأن يكره أن يعود في الكفر، كما يكره أن تُوقَد له نار، فيُقذف فيها.
#حب الناس وذكرهم له بالخير: في الحديث القدسي :”إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ “(البخاري عن أبي هريرة).
وعن أنس – رضي الله عنه – قال: ثم مر بجنازة على النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: أثنوا عليه، فقالوا: كان فيما علمنا يحب الله ورسوله، وأثنَوا عليه خيرًا، فقال: وجبت، قال: ثم مر عليه بجنازة، فقال: أثنوا عليه، فقالوا: بئس المرء، كان في دين الله، فقال: وجَبت، أنتم شهداء الله في الأرض.”( البيهقي).
فيا سعادة من فاز بهذه المرتبة الشريفة التي لا تعدلها مرتبة في الدنيا لا مال ولا جاه ولا سلطان. قال هرم بن حيان: “ما أقبل عبد بقلبه على الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه ودهم”.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفي وصلاة وسلاماً علي النبي المصطفي أما بعد فياإخوة الإسلام؛
وكما تجب محبة الله تعالى تجب محبة رسوله صلى الله عليه وسلم وهي تابعة لمحبة الله ولازمة لها، :” لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ “(متفق عليه).
ذلك يا عباد الله لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي دلنا على هذا الدين العظيم وما فيه من الخير العميم، وبين لنا طريق النجاة وسبيل السعادة؛ وحذرنا من الشر والهلاك فبسببه اهتدينا.
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم تقتضي متابعته وطاعته، فمن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم بدون متابعته والتمسك بسنته وترك البدع المحدثة في الدين، فهو لم يصدقْ في دعواه؛ فمحبة الله ومحبة رسوله تكون بالطاعة والامتثال.
وطاعة الرسول هي طاعة لله؛ قال الله تعالى:”مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ” (النساء/80).
وفي الحديث القدسي:”وعزتي وجلالي لو سلكو اليّ كل طريق واستفتحوا عليّ كل باب ما فتحت لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد”( أبو نعيم في حلية الأولياء(10/257)و ابن القيم في جلاء الأفهام(ص/311).
نماذج:
وهذا هو عمر بن الخطاب يحب الله ورسوله فقد روي عن عبدالله بن هشام رضي الله عنه قال :”كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم :”لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك”، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “الآن يا عمر”(البخاري).
وهذا هو علي بن أبي طالب رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فعن عبد الله بن بُريدةَحدثني أَبي بُريدةُ قال:”حاصَرْنا خَيْبَر، فأَخَذَ اللِّواءَ أَبو بكر، فانصرف ولم يُفْتَحْ له، ثم أَخذه من الغَدِ عمرُ، فخرجَ، فرجعَ ولم يُفْتَحْ له، وأَصابَ الناسَ يومئذٍ شِدَّةٌ وجَهْدٌ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “إني دافعٌ اللِّواءَ غَداً إلى رجلٍ يُحِبُّه اللهُ ورسولُه ويُحِبُّ اللهَ ورسولَه، لا يَرجِعُ حتى يُفْتَحَ له” فبِتْنا طَيِّبةً أَنفُسُنا أنَّ الفتحَ غداً، فلما أَنْ أَصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، صَلَّى الغَداةَ ثم قامَ قائماً، فدعا باللِّواءِ والناسُ على مَصافِّهم، فدعا عليّاً وهو أَرْمَدُ، فتَفَلَ في عَيْنيهِ، ودفعَ إِليه اللَّواءَ، وفُتِحَ له. (أحمد). قال بُريدةُ: وأنا فيمن تَطاوَلَ لها.
وهذا هو مصعب بن عمير الذي دخل حب الله ورسوله شغاف قلبه وترك الثراء والغني من اجلهما فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، قَالَ : “نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مُقْبِلا ، وَعَلَيْهِ إِهَابُ كَبْشٍ قَدْ تَنَطَّقَ بِهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي قَدْ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يُغَذِّوَانَهُ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ، فَدَعَاهُ حُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ”(البيهقي ).
أنت حينما تمشي في رضوان الله يحبك الله، ويحبك جبريل، ويحبك أهل السماء، وتلقى القبول في الأرض، وحينما يمشي الإنسان في سخط الله يبغضه الله، ويبغضه جبريل، ويبغضه أهل السماء وأهل الأرض، أكبر نجاح في الحياة أن يحبك الله.
مرة سمعت كلمة من أخ كريم يروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا معاذ قال عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: “أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ يَا مُعَاذُ فَقُلْتُ وَأَنَا أُحِبُّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ”(النسائي ).
والله ما رأيت في الأرض مرتبة تعلو هذه المرتبة! أن يحبك رسول الله، كيف يحبك؟ إذا كنت مستقيماً، قل أمنت بالله ثم استقم ..
اللهم إنا نسألك حبك وحب رسولك وعبادك المؤمنين اللهم حبب إلينا العمل الذي يقربنا من حبك.اللهم غنا نسألك حبك وحب من احبك وحب كل عمل يقربنا إلي حبك يارب العالمين ..
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا؛ وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان؛ واجعلنا من الراشدين ..وأقم الصلاة ..